السفن المتهالكة.. قنابل موقوتة تهدد الحياة في خليج عدن

أصوات خضراء - أمة الرحمن العفوري

 

بات الصياد سعيد حامد قلقا على مستقبل مهنته الوحيدة لكسب العيش منذ قرأ تحذيرات من تبعات غرق سفن جانحة في ميناء عدن جنوبي اليمن.

يقول حامد إنَّ “غرق أي من هذه السفن ستؤدي إلى توقفي عن الصيد وهذا سيؤثر عليَّ كثيرًا كوني اعتمد على هذه المهنة في توفير الدخل لأسرتي”.

وهناك أكثر من عشر سفن نفطية متهالكة وجانحة منذ نحو عقدين في سواحل مدينة البريقة غرب محافظة عدن وباتت تشكل خطرا كبيرا على البيئة والأحياء البحرية وحركة الصيد.

بقاء هذه السفن دون انتشالها من الميناء تعد “كارثة وتهدد حركة الصيادين” يضيف حامد بقلق.

وفي مطلع يناير الماضي جرفت الرياح والأمواج سفينتي نفط، راسيتين منذ سنوات طويلة على مقربة من ميناء الزيت بعدن.

دفع هذا الأمر بالمحكمة التجارية الابتدائية إلى إصدار قرارًا ببيع تلك السفن كحطام بحري؛ كون وجودها يشكل مصدر خطر على مجرى القناة الملاحية لميناء عدن والبيئة البحرية عمومًا.

وتعود ملكية العديد من هذه السفن إلى رجل الأعمال اليمني أحمد العيسي.

تتسرب من مخلفات السفن الجانحة عناصر ومركبات مخلوطة سائلة وصلبة تؤثر على عناصر البيئة ويؤدي التلوث النفطي إلى مجموعة كوارث حقيقية في غاية في الخطورة مما يمكن ملاحظته وصعوبة حصره والسيطرة عليه ومكلف اقتصاديا”

وأعادت التحذيرات بشأن غرق السفن المتهالكة إلى ذهن حامد حادثة غرق سفينة “ديا” أواخر يوليو 2021، في ساحل البريقة وتسببها في انسكاب نفطي على طول الساحل.

ولم يعلن بعد عن بيع تلك السفن بالفعل رغم مضي نحو أربعة أشهر على قرار المحكمة. لكن مصدر مسؤول في الشؤون البحرية أكد أن “إجراءات بيع السفن قائمة لتنفيذ المحكمة”.

ويقول المصدر مفضلًا عدم الإفصاح عن اسمه كونه غير مخول للحديث لوسائل الإعلام، إن السفن المتهالكة في ميناء عدن عددها 15 سفينة ثلاث منها جانحة وأربع غارقة وثمان مهجورة منذ تسع سنوات.

وحول آلية بيع تلك السفن، يوضح المصدر لمنصة “أصوات خضراء“، أنه يتم “تقدير قيمة الحطام بواسطة خبير بحري وعليه يقوم برفع تقرير إلى المحكمة لكي يتم بيع السفن في المزاد وإيداع عائداتها لخزينة المحكمة الى حين الفصل في النزاع بحسب إجراءات المحكمة”.

من الناحية القانونية، يتحمل مالك السفينة نفقات انتشالها وفق ما نصت عليه المواد “350-351-352-353” من القانون البحري اليمني، بحسب المحامية يُمن رجائي محمود التي تشير إلى أن في حال رفض المالك عملية انتشال السفن تتولى الجهات المختصة أمر ذلك.

تقول محمود لمنصة “أصوات خضراء” إن “الحطام يؤثر على الملاحة البحرية ويشكل خطرا عليها فوجب انتشالها من المياه البحرية وعلى من يخالف ذلك العقوبة أما بالسجن او التغريم المالي”.

السفن المتهالكة تقع في المدخل الرئيسي لأربع موانئ في عدن هي المعلا والسياحي والبريقة والمنطقة الحرة. وتستقبل هذه الموانئ العديد من واردات اليمن من مواد غذائية واستهلاكية.

يعد ميناء عدن موردًا وطنيًا بإمكانات هائلة، ويوصف بأنه “بوابة اليمن إلى العالم”. وتستمد منه عدن أهميتها وحيويتها.

مخاطر بيئية وصحية

بقاء هذه السفن على حالها دون انتشالها سيترتب عنها آثار بيئة خطيرة يصعب السيطرة عليها وستؤثر سلبًا على الجانب الاقتصادي، بحسب معتوق حسن الرعيني، استشاري بيئي متخصص في علم السموم والتلوث البيئي. ويقول لمنصة “أصوات خضراء”، إن مخلفات السفن الجانحة “تنطلق (منها) عناصر ومركبات مخلوطة سائلة وصلبة تؤثر على عناصر البيئة ويؤدي التلوث النفطي الى مجموعة كوارث حقيقية في غاية في الخطورة مما يمكن ملاحظته وصعوبة حصره والسيطرة عليه ومكلف اقتصاديا”.

وفي حال انتشار تلك المُركبات فإنه سيكون من “الصعب حصره والسيطرة عليه لأن آثاره الخطيرة تكون تراكمية على البيئة البحرية والبيئة المحيطة والصحة العامة للإنسان، ويمكث عدة سنوات ولا يمكن السيطرة عليه بسهولة”.

يقول الرعيني لمنصة “أصوات خضراء” إنّ تسرب النفط من تلك السفن إلى البحر سيؤدي إلى “انقراض الملايين من الكائنات البحرية من كافة الأنواع والأحجام والأجناس، إضافة إلى انخفاض إنتاجية الأسماك وتدمير الأطعمة التي تتغذى عليها الكائنات البحرية فضلًا عن تعطل أغلب الخدمات الملاحية وتدمير السياحة بسبب تلوث مياه البحار والشواطئ والجزر المحيطة في بيئة البحر الأحمر وخليج عدن”.

وتُشكل الشعاب المرجانية والحشائش البحرية، أهمية عالية للحياة السمكية والأحياء البحرية الأخرى، وتوجد في مياه اليمن في البحر الأحمر قرابة 300 نوع من الشعاب المرجانية الفريدة والمميزة، بحسب الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي.

ويشير الرعيني إلى أن تجمع “هذه المركبات النفطية السامة في الأسماك والأصداف والقشريات والجمبري واللوبستر تنتقل الى البحر عن طرق السلسلة الغذائية وتصبح مواداً غذائية سامة تختزن في الدهون والكبد للإنسان والحيوان وتتراكم في أجسام الإنسان والحيوان ولا يمكن التخلص منها بسهولة”.

وتسبب المركبات الاروماتية النفطية والهيدروكربونية أمراض في الجهازين التنفسي والهضمي إلى جانب السرطانات والولادة المبكرة والإجهاض والعيوب الخلقية والأمراض الجلدية ومشاكل في الذاكرة والصداع والخمول، بحسب الرعيني الذي يشدد على سرعة انتشال السفن الجانحة لتفادي المخاطر المحلية والإقليمية تجاه البيئة وحمايتها “كون البيئة وحدة واحده لا تعرف الحدود”.

وخلال السنوات العشر الماضية، تعرضت البيئة البحرية في اليمن، للكثير من الحوادث البيئية التي تسببت بها ناقلات تخزين الوقود.

ومنذ عام 2013 وحتى 2022 تعرضت أربعة ناقلات نفطية مملوكة معظمها لرجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، للغرق في موانئ بمحافظتي عدن وحضرموت وألحقت تلوثًا بحريًا ما تزال آثاره وتداعياته حتى اليوم.

اقرأ أيضاً