هذا أهم ما نعرفه عن شجرة “دم التنين” في سقطري!

أصوات خضراء- عبدالملك النمري

خلال جولة مثيرة في مرتفعات ديكسم بجزيرة سقطرى اليمنية، توقف عيسى الرميلي مشيراً إلى بقعة بعيدة:“ أمامنا انقاض غابة شاسعة من أشجار دم الأخوين”. قال وأعطى ظهره لثلاث شجرات وحيدات فوق تلٍّ مهجور.

غادر الرميلي حاثّا الخطى كما لو أن شيئا يلاحقه. وفيما ظل ساكنا دون حديث، أفصحت ملامح وجهه عن حكايات أجداده المؤسفة بخصوص تساقط الأشجار وعجزهم عن الإنقاذ.

ارتباط اسم الشجرة بالدم بسبب نسغ أحمر داكن يخرج من جذعها عند القطع، وقد كان سلعة ثمينة يوما ما.

شجرة دم الأخوين شجرة عزيزة في سقطرى ، على بعد 380 كيلومترًا جنوب شبه الجزيرة العربية في المحيط الهندي. وهي بتضاريس متنوعة من الكثبان الرملية وهضاب الحجر الجيري والجبال الجرانيتية، الحياة البرية غير العادية هذه جعلت الجزيرة واحدة من أكثر الأماكن تنوعًا بيولوجيًا على وجه الأرض.

تتركز موائل دم الأخوين في جبال الجرانيت وهضاب الحجر الجيري على ارتفاع 500 – 1550.

أدت سنوات من تغير المناخ والرعي الجائر وحصاد سائلها القرمزي إلى تقليص أعداد الشجرة المذهلة. الرميلي جزء من مجتمع محلي يحاول منعها من الانقراض.

قال الرميلي لـ”أصوات خضراء“: “نبادل الأشجار المشاعر كأنها منّا، يأتي السياح من مختلف بلدان العالم إلى قرانا النائية لقضاء ايام تحتها، إنها رمز الجزيرة”.

تاج الشجرة الكبير والسميك يساعد 32 نوعا من النباتات ، بينها7 مستوطنة، على البقاء.

تتميز شجرة دم الأخوين بمظلة فريدة تشبه الفطر ، يُعتقد أن هذا الشكل هو تكيف للبقاء في الظروف القاحلة مع كميات منخفضة من التربة.

الاسم العلمي للشجرة دراسينا سيناباري ، لكن كثيرا ما يشار إليها دم الأخوين، ودم التنين وهي تسميات قادمة من حكايات قديمة*.

ارتباط اسم الشجرة بالدم بسبب نسغ أحمر داكن يخرج من جذعها عند القطع، وقد كان سلعة ثمينة يوما ما**.

يُعتقد أن شكل الشجرة هو تكيف للبقاء في الظروف القاحلة.

يوجد حاليًا أكثر من 80000 شجرة دم أخوين. لكن هذا الرقم يناقض مشكلة كبيرة: معظم الباقين هم أشجار معمرة ، في حين أن الأصغر سنًا يكادون غير موجودين ، أصبحت ظروف الجزيرة قاسية جدًا بحيث لا تدعم الشتلات الجديدة.

قلص تغير المناخ الموائل الصالحة لازدهار الشجرة بنسبة 44٪ خلال القرن العشرين ، ويتوقع العلماء أن تؤدي الظروف الأكثر جفافاً إلى خفضها بنسبة 45٪ أخرى بحلول عام 2080.

عام 2008 صنفت اليونسكو سقطرى كموقع تراث عالمي طبيعي، ذلك لأن كثير من نباتاتها وحيواناتها لا توجد في مكان آخر من العالم. يقدر العلما أن 37٪ من نباتاتها ، و 90٪ من زواحفها مستوطنة، لكن فقدان دم الأخوين قد يؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بهذا التنوع البيولوجي.

“لدم التنين مكانة رفيعة لدى سكان سقطرى واليمن بشكل عام، إنها بمثابة رمز وهوية” قال مدير الهيئة العامة لحماية البيئة فرع أرخبيل سقطرى سالم حواش، لكنه أكد بأن”قيمتها الفعلية تتمثل في الدور البيئي المهم الذي تلعبه” محذرا من تأثيرات خطيرة تنعكس على النظام البيئي بأكمله للجزيرة مع استمرار فقدان الشجرة.

يقول الباحثون إن تاج الشجرة الكبير والسميك بما يوفره من ظل مانع للتبخر، يساعد 32 نوعا من النباتات ، بينها7 مستوطنة، على البقاء.

 

أسوأ من ذلك، سيؤدي فقدان دم الأخوين إلى زيادة جفاف الجزيرة القاحلة. فلهذه الأشجار القدرة على التقاط الرطوبة من الهواء، وضخها علي هيئة ماء في التربة، فيما يسمى الهطول الأفقي.

قدر الباحثون أن أشجار دم الأخوين تساهم بما يتجاوز 40٪ من إجمالي الهطول السنوي للجزيرة.

متعلق

ندوة رقمية.. لماذا شجرة دم الأخوين مهمة؟

الجيل الأخير

 

تتركز موائل دم الأخوين في جبال الجرانيت وهضاب الحجر الجيري وسط جزيرة سقطرى على ارتفاع 500 – 1550 مترا عن سطح البحر.

في محمية فيرمهين، أحد أهم الموائل، لا تزال الأشجار كثيفة نسبيا، لكن التصدعات العميقة في جذوعها نتيجة حصاد الراتنج عبر السنين تثير القلق.

“الشقوق والتصدعات على جذوع الأشجار تجعلها أضعف من أن تواجه الرياح وأكثر عرضة للتآكل وبالتالي السقوط”. قال الرميلي.

يعيد الرميلي، إضرار السكان المحليين بالأشجار على هذا النحو إلى تراجع الالتزام بالقوانين العرفية المنضمة للحصاد.

” كان حصاد دم الأخوين منظما، كان شيخ القرية يحدد فترة معينة من السنة للحصاد فقط، ومن يخالف يتعرض للنبذ، لم يكن يُسمح بالحصاد لغير المتمرسين، اليوم هناك تساهل كبير” قال.

وتتعرض الأشجار أيضًا للهجوم من قطعان الماعز والأغنام الجائعة.

قال حواش لـ”أصوات خضراء“: “تنقض الماعز والأغنام وتلتهم البذور التي تسقط على الأرض”. “إذا نجت البذور في هذه المرحلة ، فسيتم أكلها حتمًا عندما تنبت إلى شتلات صغيرة. لذلك ، لم تعد هناك أشجار صغيرة ، وهذا مؤشر خطير للغاية “.

أضاف حواش بحسرة: “أخشى أن يكون هذا هو الجيل الأخير من هذه الشجرة الرائعة”.

وحتى لا ينتهي الأمر بالشتلات في المعدات الصغيرة للأغنام، يجب أن تنمو بطول يجعلها بعيدة عن تناول القطعان؛ لكن هذا يستغرق عشرات السنين، فنمو الشجرة بطيء بشكل استثنائي، إذ لا تزيد سوى 2.65 سم على مدى خمس سنوات.

لقد زاد الطقس المتقلب في الآونة الأخيرة من صعوبة الأمر.

خلال السنوات الثماني الماضية ، تعرضت سقطرى لزيادة في وتيرة ومدة وشدة العواصف الإعصارية التي ربطها العلماء بتغير المناخ.

لا توجد إحصائيات دقيقة حول تأثير العواصف على النظام البيئي للجزيرة ، لكن “تنوعها البيولوجي دمر” ، حسب حواش. في بعض المناطق ، لا تزال أشجار دم الأخوين المكسورة ملقاة على الأرض ، في أعقاب العواصف العنيفة.

شهدت العقود الأخيرة أيضًا هطول أمطار أقل ، وهو مصدر قلق آخر لأشجار دم الأخوين الصغيرة. في حين أن الأشجار البالغة مقاومة للطقس الجاف ، فإن الشتلات تهلك بدون إمدادات منتظمة من المياه.

بصيص أمل

عندما اندلعت الحرب الأهلية في اليمن عام 2015 ، تجمد التمويل الدولي والحكومي لهيئة حماية البيئة في سقطرى ما أدى إلى توقف أنشطتها بشكل كامل.

قال سالم حواش ، مدير الهيئة في سقطرى ، “تعتبر هيئة حماية البيئة من أهم المكاتب الحكومية في سقطرى ، ولكن للأسف انقطع التمويل الحكومي مع الحرب ، مما أثر سلباً على نشاطها”.

هذا الواقع، جعل المبادرات المحلية الساعية إلى صون أشجار ونباتات سقطرى في مقدمتها دم الأخوين أكثر أهمية.

شتلات دم أخوين في أحد المشاتل

وقد تمكنت الجهود المحلية خلال العقدين الماضيين من تأمين زراعة ما يزيد عن ثمانمئة شجرة دم أخوين. ومع ذلك ، يعتقد الخبراء أنه لا يزال يتعين القيام بالكثير لمنع انقراضه.

ويصنف المركز العالمي لرصد الحفاظ على البيئة التابع للأمم المتحدة والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) 157 نوعًا من النباتات في سقطرى بينها دم الأخوين على أنها ضعيفة أو مهددة بالانقراض أو معرضة لخطر شديد.

 

 

*تزعم إحدى الحكايات- وهي مستمدة من الأديان السماوية الثلاثة- بأن الشجرة نبتت من دم هابيل الذي قتله أخوه قابيل، وهما ولدا النبي آدم. وهكذا يطلق على الشجرة بالعربية “دم الأخوين”. أخرى وهذه مقتبسة من الأساطير الهندية، تقول إن تنينا وفيلا تقاتلا حتى الموت فامتزج دمهما مكونا(زئبق سولفيد) ما عرف لاحقا بقطران “شجرة التنين”. من هذه الاسطورة بالتحديد جاءت التسمية الإنجليزية للشجرة dragon’s blood، “دم التنين”.

**يؤخذ الراتنج بعد تخثره، وهو ما يستغرق إياما، ليطحن إلى مسحوق ناعم كان يباع للتجار اليونانيين والعرب والهنود. ليتم استخدامه لصبغ الملابس وتزيين الفخار والمكياج، وتضميد الجروح والخدوش، وكعلاج للأمراض من الإسهال إلى نزيف ما بعد الولادة. وكثير من هذه الاستعمالات لا تزال قائمة في سقطرى واليمن حتى اليوم.

 

اقرأ أيضاً