منال الرباكي: “ريشة خضراء” من حضرموت إلى فرايبورغ الألمانية

أصوات خضراء- سماح عملاق

 

لا تلمح لوحة لها على حسابها في “انستجرام” إلا وتخطفك، وتجد أناملك تعيد الشريط إلى الأعلى، تنقر على الصورة، تكبرها، وتحركها يمنةً ويسرة.

هي ببساطة ليست بالبسيطة؛ كونها تحمل أفكارًا كثيرة في لوحةٍ واحدة، عناصرَ مختلفة و متناغمة تشدُّ بعضها بعضًا كعناصر الطبيعة و هي كذلك.

رسّامةٌ هاويةٌ ومبدعة، مشتقةٌ من الجمال أو أنها أحد مصادره، فهي تنسلُّ من الطبيعة كإحدى حراسّها.

منال عمر الرباكي، ثلاثينية قادمة من مدينة الشحر في محافظة حضرموت، صوت أخضر سخرت فنّها التشكيلي الآسر لحماية الطبيعة، وتبيان العلاقة بينها وبين الإنسان اليمني المعاصر والقديم، سعيا منها ، في خطوة ثورية على المستوى المحلي على الأقل ، إلى رفع الوعي بمسائل البيئة وتغير المناخ.

سبقت اللوحةُ رسامتها إلى ألمانيا، لقد نالت تصويت لجنة تحكيم المسابقة، وعلى منال اللحاق بها انطلاقا من حضرموت فصنعاء، لكن طريق المبدع ملتويا: مواجهات قبيلة مسلحة توقف رحلتها في مأرب يوما كاملا، ما أخرها عن موعد اقلاع الطائرة.

نشأت منال بين أنواع الريَش ومختلف الألوان، عائلةٌ فنية ووالدٌ يعشق الرسم، فالموهبةُ أحيانًا لا تُكتسب فقط بل تسري في الروح عبر الجينات، وها هي منال نسخةٌ مطوّرةٌ من أبيها المبدع الذي رأته مرارًا يتفنن في رسم الصور المعبّرة على جدران الروضة التي كانت تدرس فيها، ربما رسم حينها شجرةً جميلة مذيلةً بعبارة :” أنا لا أقتلع الأشجار”، أو حديقةً غنّاء تعلوها عبارة توعوية ولتكن:” أنا أحافظ على نظافة الحديقة”.

 

على درب والدها كبرت، ترسم المحميات الطبيعية بقلبها قبل ريشتها، وتصور الكوارث وأسبابها في حُلُمها وواقعها، داعيةً الضحايا إلى اجتناب الأخطار بالوعي والثقافة.

” جْبِلتُ على حب الجمال خاصةً جمال الطبيعة والكائنات التي خلقها الله لتستقيم بها الحياة ” قالت الرباكي لـ” أصوات خضراء“، ” أحاول تدوير كل ما من شأنه تشويه ذلك الجمال كالنفايات وتحويله إلى عمل فني ذي فائدة، صنعت من البلاستيك والأوراق مجسمات تعليمية كثيرة”.

 

عقبات

تخصصت منال في الاقتصاد المنزلي، مع أنها كانت تأمل دراسة الفنون التشكيلية لكنه تخصص لم يكن أنشىء في جامعة حضرموت بعد.

مرت الفتاة بعقبات أخرى عديدة، اليوم تسردها باستخفاف وقد تجاوزتها باقتدار:” الصراع، وضعف الإمكانيات، عدم افتتاح كلية للفنون في جامعتي، عدم وجود وظيفة رسمية، البعد عن المدن المتوفرة فيها هذه التخصصات وغيرها كثيرة لكنها هامشية ولها ألف حل”.قالت

عام 2009 وقع في يد الرباكي إعلانا عن منافسة في مضمار خبرت مساراته بما فيه الكفاية: تقديم أعمال فنية وثقافية حول مواضيع البيئة والمناخ، والجائزة حضور فعاليات ثقافية رياضية في ألمانيا، من تنظيم جمعية الصداقة اليمنية الألمانية “أكملت اللوحات ورسلتهم لبريد صنعاء على عنوان المسابقة، ولكن بعد فترة من الوقت تواصل بي أشخاص من البريد وأخبروني أن وقت المسابقة انتهى ولا أحد جاء لاستلام لوحاتي، لهذا كانوا قد قرروا إنهم سيعيدون اللوحات إلى حضرموت”.قالت.

تكمل:” أشعرني ذلك بالإحباط، لكن أحد موظفي البريد ولا أعرفه بصفة شخصية قرر مساعدتي، وأخبرني إن منزله قريب من جمعية الصداقة، فتكفل بإيصال اللوحات بنفسه للجمعية ولا كلمة تفي بعظيم امتناني له خاصة لأنه تم تمديد موعد المسابقة”.

سبقت اللوحة رسامتها إلى ألمانيا، لقد نالت تصويت لجنة تحكيم المسابقة، وعلى منال اللحاق بها انطلاقا من حضرموت فصنعاء، لكن طريق المبدع ملتويا: مواجهات قبيلة مسلحة توقف رحلتها في مأرب يوما كاملا، ما أخرها عن موعد اقلاع الطائرة.

“الفن التشكيلي والكاريكاتوري يلعبان دورًا كبيرًا في توعية الناس بأهمية الحفاظ على البيئة في كوكبنا الأزرق”، عدنان جمّن فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير.

 

انقر/ي على الصورة لرؤيتها بالحجم الكامل 

إلى ألمانيا

صدمتان في غضون أيام، أصيبت منال على إثرهما بخيبة أمل شديدة، وشرعت ترتب للعودة إلى أدراجها دون الجائزة، لكن الجهة المنضمة “قدرت الظروف وكانت مهتمة بحضوري، لتحجز لي رحلة جديدة”.

بين مدن ومعالم وأرياف ألمانيا غذت منال بصرها ومخيلتها، كانت تجربة تتمنى أن تتكرر، كما تقول، نظرا لتأثيراتها الجميلة التي انعكست على لوحاتها بعد عودتها من الرحلة، لم يتوقف الأمر فقط في الحافز الجمالي بل والمعنوي أيضًا حيث تكرمت في احتفالية كبيرة حضرها القنصل اليمني وكثير من الشخصيات البارزة اليمنية والألمانية وجنسيات أخرى، وتنسى لها حضور مؤتمر خاص بالمناخ والبيئة.

تحكي منال عن مشاركتها بقولها:” لوحتي الفائزة كانت عبارة عن فكرة حلمتُ فيها بالمنام، محتواها مجموعة إطارات مختلفة بألوان هادفة، بحيث كل لون يرمز لمدلول معين في الطبيعة مثلا اخترت اللون الأصفر للشمس واللون الأزرق للسماء والرمادي للمطر والسحب أما البني فكان الأرض واللون الأخير هو الأسود، حيث حكيت قصة شمس مشرقة في سماء صافية، وفجأة تلبدت بالغيوم فهطلت الأمطار والأعاصير وجرفت النبات والبيوت، حيث عم الحزن واكتسح الدمار الديار”.

فازت منال كذلك، بالمركز الأول في مسابقة الفنون التشكيلية بجامعة حضرموت عبر رسمةٍ استخدمت فيها المخلفات.

حصلت كذلك على الميدالية الفضية في مسابقة مؤسسة حضرموت للاختراع وكانت أيضا في مجال الوسائل التعليمية القادمة من مخلفات الطبيعة.

“الفن التشكيلي والكاريكاتوري يلعبان دورا كبيرا في توعية الناس مجتمعيا بأهمية الحفاظ على البيئة في كوكبنا الأزرق”، يقول عدنان جمّن فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير توعوي من محافظة عدن لـ”أصوات خضراء“:” أعتقد أن الفن يستطيع أن يلعب هذا الدور منذ سن مبكرة مع الأطفال تحديدا”.

يضيف:” قدمت الفنانة منال الرباكي أعمالا جميلة في هذا الشأن، ويمكن تطوير أفكارها بتحويل تلك الرسوم إلى شخصيات كومكس في مجلات الأطفال و التي بدأت تشهد حراكا لافتا في مدينة عدن، رسوم الكومكس وسيلة مؤثرة جدا بالنسبة للأطفال و من الممكن تضمين رسائل للحفاظ على المياه و البيئة التي نعيش فيها”.

رسالة حياة

تقتنص الرباكي أنصاف الفرص لتقدم رسالتها التوعوية. نهاية العام الماضي تلقت دعوة من مؤسسة وجود لحضور القمة النسوية الخامسة بمدينة عدن، كانت “مشاركتي عبارة عن لوحات تتحدث عن المناخ والتغيير الحاصل فيه لأن العالم في الوقت الحالي يتغير وبالتالي ينعكس تغيره على الطبيعة والمناخ”.

توضح: ” شاركتُ أيضًا مع مبادرة مميز الفنية بالرسم عن السلام والمرأة، بلوحة كبيرة 3*3 متر عبارة عن جدارية تعبر عن المرأة وعلاقتها بالطبيعة والسلام، وأنها لاترضى بالدمار وأن المرأة هي أم السلام، التي تسهم في إرساء قواعده، عبر دورها كأم ومربية للأجيال وموعية لهم”.

ومنذ تخرجها من الجامعة تعمل منال متعاقدة مع المؤسسة العامة للمياه والصرف الصحي في مدينتها “الشحر”، لتعلم في مجال التوعية بقسم المرأة وشؤون المستهلكين، بعد أن تدربت في مجال التوعية المائية وفق قولها.

تشير رئيسة قسم المرأة وعلاقات المستهلكين في المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي فرع الشحر الأستاذة عائدة عبود باضاوي

وهي مسؤولة عن عمل منال الرباكي بقولها :” شغفها وطموحها وفنها وإبداعها في الفن التشكيلي جعلني من المتذوقين لهذا النوع من الفن، كون إبداعاتها غير طبيعية ورسمها متنوع، ومختلف ومتميز، وقد أفادتنا كثيرا في القسم كمسؤولة توعية برؤيتها الطيبة وأفكارها المتجددة، و فنها الذي ساعدنا كثيرًا في التوعية”.

تضيف لـ”أصوات خضراء“:” وهي على صعيد العمل وعلى الصعيد الشخصي منال شخصية مقبولة من الجميع وطيبة ومحترمة ومتعاونة وخدومة، أراها بالفعل شخصية لا تتكرر”.

مضيفة بأن أعمالها تتحدث عن نضج فكرها في ما يتصل بموارد البيئة والمناخ.

تقوم منال برصد المشاكل المتعلقة بالبيئة، والنزول الميداني للتوعية في المنازل ورياض الأطفال والمؤسسات المرتبطة بالمجال كصندوق النظافة والتحسين، وتقول إنها مع مديرة قسمها الأستاذة عائدة باضاوي يحملن رؤية جميلة لحضرموت أجمل وأنقى فنحن نرى التوعية واجب ورسالة حياة.

المتأمل لتوقيع منال يجده أنموذجًا للتعايش، تعايش الإنسان مع بيئته ومع بعضه البعض ، وقد اختارت المقص الذي تستخدمه بكثرة، والريشة، وفيه بيت يدل على تخصصها في مجال الاقتصاد المنزلي، ومكتوب عليه اسمها بعبقرية مدهشة، وبالفعل تفوقت في مسابقة للتعايش التي افتقدته في مرحلةٍ من المراحل.

تحلم منال بأن يغدو توقيعها عالميًا كماركة لا تقبل المنافسة، وذلك عبر عشقها للأشياء الغريبة التي ستجعلها تخرج عن المألوف في تصويرها للطبيعة والكائنات من حولها.

تختم اللقاء منال بقولها:” نصيحتي لكل فرد عنده هواية أن لا ييأس، فلينمي هوايته بالإمكانيات المتاحة، وأن يستغلها لإحداث التأثير”.

اقرأ أيضاً