هل اليمن صالح لزراعة الأرز؟

أصوات خضراء - وهب الدين العواضي

أُثيرت أخبار نجاح تجارب زراعة الأرز في اليمن من جديد بعد نحو عامين من تداول نجاح التجربة الأولى في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت عمل عليها المزارع “هود باسيود” في أحد الحقول التي يمتلكها.

إذ نشرت وسائل إعلام تتبع جماعة أنصار الله (الحوثيين) نهاية ديسمبر 2022، خبرًا يفيد بنجاح تجربة زراعة الأرز في المناطق الزراعية بمحافظة حجة، وذكرت بأن المزارعين قادرون على زراعة هذ النوع من المحاصيل بمساحات واسعة تتعدى عشرات الكيلو مترات.

وجاء في الادعاء أن زراعة الأرز في حجة سيغذي البلاد بكمياتٍ كبيرة من المحصول بمستوى يحقق الاكتفاء ذاتي لليمن وسيغطي الاحتياج الفعلي للسوق المحلية بحيث أنه لن يكُن هناك حاجة لاستيراد الأرز من الخارج.

 

“بيع الوهم”

عند النظر إلى مساحات التجارب التي نجحت في زراعة الأرز سواءً في حضرموت أو حجة، يتبين بأنها مساحات بسيطة تتكون من بضع مترات فقط، بذل فيها المزارعون جهودًا كبيرة ومحاولات استنفدت كل طاقتهم حتى نبتت بذور المحصول.

التجربة الأولى التي نجح فيها المزارع الحضرمي “هود باسيود” نهاية يناير عام 2019، لم تتعدَ مساحة مترًا مربعًا حصد منها نصف كيلو من الأرز بعد جهدٍ كبير ومحاولات عديدة لفترات زمنية، وفق ما ذكره في تصريحات صحفية سابقة، غير أن التجربة الأخرى في حجة لم تتجاوز أيضًا الخمسة أمتار.

وعلى وجه العموم، يعتبر الأرز من المحاصيل الزراعية التي يمكن زراعتها في أي مكان في العالم حالما توفرت الظروف البيئية والمناخية المناسبة وبذور المحصول إلى جانب العوامل الأخرى اللازمة للنمو، كما يقول أستاذ البيئة والتنمية بجامعة تعز، الدكتور محمد الحميري.

ويضيف في حديثه لمنصة أصوات خضراء، بأن “زراعة الأرز يحتاج إلى درجة حرارة ملائمة لا يجب أن تقل عن 20 درجة مئوية، إضافةً إلى كميات كبيرة من المياه سيما في فترة النمو بحيث يتم غمر المحصول بالمياه تمًاما، وكذلك وجود تربة خصبة”.

ويوضح الحميري بأن هناك إمكانية لزراعة الأرز في اليمن خاصة بمحافظتي حضرموت وحجة مثلا، باعتبار أن درجة الحرارة فيهما مناسبة ولا تقل عن 20 درجة مئوية إلى جانب خصوبة التربة بمستوى جيد.

لكنه يشير إلى أن قلة المياه في اليمن عمومًا لا تساعد على زراعة الأرز، وبالتالي لا يمكن أن تشكل اكتفاء ذاتي إطلاقًا ومن يقول غير ذلك يبيع الوهم للناس فقط، ونجاح التجارب لا يعني باستمرار زراعته إنما يثبت قابلية تربة الأراضي الزراعية لهذا النوع من المحاصيل وهذا شيء وارد.

إقرأ/ي ايضاً

جلب المياه.. دور النساء في اليمن

“المياه معيار مهم”

لا تتوقف متطلبات زراعة الأرز على توفر الظروف البيئية المناسبة وخصوبة التربة فقط، بل تشكل وفرة المياه في مناطق زراعته أحد أهم العوامل والمعايير الأساسية لزراعته، نظرًا لكميات المياه الكبيرة التي تحتاجها بذور المحصول لتنمو، وغمرها أثناء مرحلة النمو حتى الحصاد.

تقول مقالة للموقع العالمي “WIKIFARMER” المتخصص في نشر الأبحاث والدراسات المتعلقة بالمحاصيل الزراعية، إنه يجب غمر الأراضي الزراعية بالأرز كأقل تقدير بعمق يتراوح عادةً من 5 إلى 50 سم بشكل مستمر في مرحلة النمو وحتى يحين موعد الحصاد، هذا بالنسبة لأنواع معينة من محاصيل الأرز وإحدى طرق زراعتها.

وبحسب المقالة، فإن هناك أنواع من المحاصيل والأراضي الزراعية لا يمكن أن ينمو فيها الأرز إلا عندما يتم غمرها بالمياه بكميات كبيرة وبعمق يصل إلى 5 أمتار عن طريق الرّي وتلك الأراضي غالبًا تتوفر فيها المياه على الدوام طوال العام.

لكن بالنسبة للأراضي الجافة التي تعتمد على مياه الأمطار، كما هو حاصل في معظم الأراضي الزراعية اليمنية، فإنها تمثل نسبة ضئيلة للغاية من الأراضي التي يتم استخدامها لزراعة الأرز وتحتاج المحاصيل فيها للتعرض الكبير لمياه الأمطار بفترات تصل إلى أربعة أشهر باستمرار.

ذلك يعني بأن زراعة الأرز في اليمن صعبة كون أراضيها جافة وستكون أيضًا موسمية وبكل الأحوال لا يمكن الاعتماد على مياه الأمطار في ظل التغيرات المناخية وقلة هطولها، ويتفق الحميري مع هذا الاستنتاج، لافتًا إلى أن هناك شحة في المياه الجوفية بالبلاد.

ويؤكد الحميري في هذا الصعيد بأن اليمن قابلة لزراعة الأرز لكن المشكلة تكمن في أزمة المياه وهذا لا يضمن استمرار زراعة المحصول، مشيرًا إلى أنه عند النظر إلى أماكن زراعة الأرز على مستوى العالم يُلاحظ أنه يُزرع في الدول التي تمر بها الأنهار غالبًا.

ويتابع مستغربًا، ” إذا كانت مصر التي يمر بها نهر النيل لا تستطيع زراعة الأرز بمساحات واسعة بحيث تكتفي ذاتيًا بل تلجأ كثيرًا لاستيراد كميات كبيرة وأنواع مختلفة، فكيف باليمن التي تعتمد في تغذية مياهها الجوفية على أمطار تتذبذب من عام لآخر!”.

“شحة وجفاف”

تقول دراسة لموقع “Fanak WATER” المتخصص بالموارد المائية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا نُشرت نهاية 2019، إن اليمن تقع في منطقة جافة وشبة قاحلة بالجزيرة العربية وتعتبر سابع أكثر دولة تعاني من شحة المياه عالميًا، وتواجه أزمة مياه حادة، وندرة المياه المادية بسبب هطول أمطار موسمية محدودة، وبالتالي هذا الأمر يستبعد أي احتمالية لزراعة الأرز.

وبحسب تلك الدراسة، يبلغ نصيب الفرد اليمني من موارد المياه المتجددة حوالي 80 لترًا مكعبًا فقط، وتبلغ كمية المياه التي تحصل عليها البلاد من المياه السطحية (أنهار سيول ينابيع) والمياه الجوفية نحو 2 مليون و500 متر مكعب في السنة.

بينما يبلغ الطلب السنوي للاستخدام المنزلي والصناعي والاستهلاك الزراعي نحو 4 مليون، أي بمقدار يفوق الكميات المتوفرة وهذا يعني بأن البلاد تواجه عجز بنسبة ميلون ونصف سنويًا، ووفق الدراسة فإن 90% من تلك النسبة تروح للقطاع الزراعي بواقع 3.090 مليون من إجمالي الاستهلاك.

 

“مناخ غير ملائم”

تعيش البلاد تغييرات وتقلبات مناخية أثرت بدورها سلبيًا على الإنتاج الزراعي في عموم البلاد، وشكل ذلك صعوبة في زراعة المحاصيل سميا خلال هذا العام، نتيجة كثافة التغييرات المناخية وارتفاع مستويات الجفاف وتأرجح درجات الحرارة وتملّح الأراضي القابلة للزراعة.

ووفق دراسة حديثة للموقع البيئي “حلم أخضر“، تقدر مساحة الأراضي الزراعية في اليمن، بحوالي 1.6 مليون هكتار، 51% منها تعتمد على مياه الأمطار في الحصول على المياه، وقد تراجعت هذه المساحة حتى العام 2020 إلى 1.2 مليون هكتار بفعل التغييرات المناخية والجفاف وشحة المياه وقلة تساقط الأمطار.

تلك التغييرات المناخية والتقلبات والأزمات البيئة التي تعاني منها البلاد إلى جانب التراجع الكبير في المساحات الزراعية، تقلل من آمال وفرص إحتمالية زراعة الأرز بأراضي واسعة ومحاصيل متعددة ولا تضمن استمرارها، رغم قابلية الأراض اليمنية لبذور الأرز.

قد يهمك/كِ

السفن المتهالكة.. قنابل موقوتة تهدد الحياة في خليج عدن

سهول يمنية منذورة للغرق في الرمال

منال الرباكي: “ريشة خضراء” من حضرموت إلى فرايبورغ الألمانية

اقرأ أيضاً