سيدة العسل.. النحالة اليمنية أمة اللطيف يحيى

ضيف الله الصوفي

تلقيتُ العديد من اللسعات؛ لكنني ما زلت أهتم بالنحل“. بهذه المفردات البسيطة، تلخص النحالة اليمنية أمة اللطيف يحيى، 29 عامًا، طبيعة عملها في تربية النحل، تلك المهنة التي تتطلب الكثير من الصبر والقوة، إلى جانب الخبرة والاهتمام بآلية تربية النحل وتكاثرهن، كما تقول.

رغم أن تربية النحل في اليمن تقتصر على الرجال فحسب، إلا أن هذه الشابة اقتحمت المهنة، لتكون من اليمنيات القلائل اللاتي تعملن في هذا المجال، الأمر الذي قد يفتح تساؤلات عدة، كيف بدأت “أمة اللطيف” مسيرتها كصوت أخضر، ولماذا اختارت أن تكون ملكة بين نحلها، وكيف تجاوزت عقدة المجتمع، وما هي الصعوبات البيئية والمناخية التي تواجه مشروعها الخاص.

تقول أمة اللطيف لـ “أصوات خضراء“: إن البداية كانت نابعة من تخصصها “هندسة زراعية” ورغبتها في إنشاء مشروع يمكنها من الاستقلال ماليًا. “كان عندي رأس مال بسيط، حبيت أستثمره بمشروع خاصة مع شح الوظائف، أو نقدر نقول تذبذبها، وانقطاع المرتبات.. توفر المال، ساعدني على أن أتقدم خطوة في حياتي، وأبدأ التفكير بعمل مشروع ضمن تخصصي، فجاءت فكرة تربية النحل“.

وتضيف: “انطلقت أبحث وأتعلَّم بمفردي كيفية التعامل مع النحل، استشرت خبراء في هذا الجانب، وساعدني مهندس زراعي، ومربي نحل، بشتى النصائح.. بعدها اشتريت النحل، بدأت باثنين صناديق “أجباح” كتجربة أولية، ثم حاولت اسقاط ما قرأته وتعلمته على الجانب العملي”.

“في السنوات الأولى واجهتني صعوبة اقناع الأهل، وكذلك انعدام مساحة حرة لممارسة عملي، لأن سطح المنزل ضيق، إضافة لعدم قدرة أفراد الأسرة على التعامل مع النحل، غالبيتهم يشعرون بالضجر لمجرد لسعة نحلة”.

باشرت النحالة مشروعها بصندوقين لتصل إلى كل 10 صناديق بعد أربع سنوات

يوميًا، تقصد الشابة مكان منحلها “تربية النحل” الواقع في سطح منزل الأسرة -الواقع في مديرية آزال بصنعاء- تتفقّد صناديق النحل. ترتدي ملابس بيضاء فضفاضة تغطي كامل الوجه، لحمايتها من اللسعات أثناء معاينة كلّ صندوق تفتحه، بهدف رؤية خلايا النحل بوضوح، والتحقق من مدى تكاثرهن.

وتفيد أمة اللطيف أنّها باشرت مشروعها قبل أربع سنوات حين امتلكت صندوقين كتجربة أولية، وصولاً إلى 10 صناديق حاليًا، لقد اختارت سطح منزلها مكانًا لمشروعها نتيجة انعدام فرص العمل وحبّها لتربية النحل، وقربها من حديقة تتوفر فيها النباتات المزهرة، والأشجار الجهنمية، الغنية بحبوب اللقاح، إضافة إلى أنها زرعت نباتات تُزهر طوال السنة، وتشكل مصادر غذاء مهمة للنحل.

صعوبات

كثيرة هي الصعوبات التي تقف أمام مربية النحل، بدءًا من عدم تقبل الأسرة مهنتها، مرورًا بتكاثر النحل، وضيق مساحة المكان.. تشرح لـ “أصوات خضراء”: “في السنوات الأولى واجهتني صعوبة اقناع الأهل، وكذلك انعدام مساحة حرة لممارسة عملي، لأن سطح المنزل ضيق، إضافة لعدم قدرة أفراد الأسرة على التعامل مع النحل، غالبيتهم يشعرون بالضجر لمجرد لسعة نحلة”.

تُعد تغيرات المناخ، وارتفاع درجات الحرارة تحديًا بيئيًا كبيرًا، يواجه النحل في اليمن.

وتشير في حديثها: “أحيانا يكون النحل شرس، وأخشى أن يتعرض الأطفال في الشارع للسعات متتالية، هذه كانت أبرز الصعوبات في السنة الأولى، نظرًا لقلة معرفتي بالتعامل مع النحل، لكن مؤخرًا أستطيع ترويضه وتقديم العناية الكاملة”.

الشابة تركز على انتاج عسل السدر، “العصيمي”، ما يتطلب منها نقل النحل من محافظة صنعاء، إلى منطقة “العصيمات” بعمران، نهاية كل عام؛ وهذا ما يجعل مهنة تربية النحل من المهمات المعقدة التي تحتاج إلى رعاية خاصة، سيما أن النحل يتأثر بالظروف المناخية المحيطة به، سواء إذا ارتفعت درجة الحرارة أو هطلت الأمطار بغزارة، وبمدى خصوبة الأرض، لذا تحتاج إلى أرض زراعية في منطقة ريفية توفر المراعي.

ونظرًا لصعوبة العمل في هذه المهنة، التي تشكل طبيعة جغرافية صعبة للإناث، فقد لجأت أمة اللطيف إلى حلول بديلة كلفتها خسارة كبيرة.. توضح: “في نهاية 2020، فكرت أنزل النحل لموسم السدر.. اتفقت مع أحد النحالين، على نقل نحلي بمقابل محدود.. وبعد شهر ونصف من الموسم، انتجت العسل، وبدأت أعلن أنه يتوفر عندي عسل سدر عصيمي، و هذه كانت المرحلة الأولى في الحصول على مردود مالي، بعد عام من التعب”.

هذه الصعوبات لم تمنع الشابة من استمرار العمل في تربية النحل، بل تحدتها خصوصًا بعد انتقاد المجتمع قدرتها على النجاح، باعتباره عملاً مرهقاً. تؤكد لـ”أصوات خضراء”: “أملك اليوم ما يزيد عن 10 صناديق نحل، أراقبها يومياً، في حين لم أزرع إلاّ نباتات زهرية لغذاء النحل، باعتبار أنّ المنطقة ليست غنية بأنواع مختلفة من النباتات، وهناك شح في المرعى خصوصًا مع قلة الأمطار”.

تُعد تغيرات المناخ، وارتفاع درجات الحرارة تحديًا بيئيًا كبيرًا، يواجه النحل في اليمن، بحسب مربية النحل أمة اللطيف.

محددات

في كل مرة، يعود النحل من موسم السدر في أسوأ حالاته، حد وصف النحالة أمة اللطيف، والتي تشير إلى أنه يتأثر أولًا بالتنقلات بين المدن، إضافة إلى التغيرات المناخية، التي قد تتسبب في مرض النحل، وتخفيض قدرته على التغذية وإنتاج العسل.

تتحدث: “في موسم السدر يجب أن تنزل النحل القادر على تحمل فترة إنتاج العسل، يسمى “نحل مُجيّش”.. أول سنة نزلت سبعة صناديق، كان الصندوق يحتوي على ثمانية إطارات، الإطار الواحد فيه كمية نحل عالية، ومع ذلك عاد نهاية الموسم في حالة يرثى لها“.

الرش العشوائي للمبيدات تعد من أكثر المشكلات التي تواجه النحالين في اليمن.

تضيف: “الصندوق الذي كان في ثمانية إطارات يعود لي بإطار واحد، إضافة إلى أنه معرض للأمراض، فالنحل عندما تقل مناعته، يكون أكثر عرضة للموت، وهنا تبدأ تدخلاتي بالمعالجة.. أوفر للنحل حبوب اللقاح، وعلاجات معينة تستعيد من خلالها قوتهن، أعمل لهن الليمون، الزعتر، وغيرها من التغذية الخاصة، بهدف التربية والتكاثر”.

وتلفت الشابة في حديثها إلى جملة من المحددات تحكمها، وتمنع رغبتها بنقل النحل والإشراف عليه حتى انتهاء الموسم.. “في العام الماضي 2022، قررت نقل النحل بنفسي، لكن الأهل رفضوا الفكرة لأن المكان ليس مهيأ لعمل المرأة.. يتسآلوا كيف ستتولين مهمة، وسط جمع من الذكور، هذه كانت النقطه الأولى”.

أما المحدد الآخر فترى هذه النحالة أن قلة عدد صناديق النحل، وكمية إنتاج العسل، لا تغطي بشكل كامل تكاليف النقل والإشراف.. “قلة عدد الأجباح، تجعلني غير قادرة على التنقل.. لنفترض أنك نزلت بعدد 50 جبح، هنا تستطيع انتاج العسل بكميات عالية، وتسويقها وتغطية تكاليف التنقل، بالعكس عندما أنزل بعشرة أجباح، وأحصل على كمية قليلة من العسل، لا تكفي”.

تغير المناخ” يلسع نحل اليمن.. صدمة لصادرات عسل السدر

تغيرات مناخية

تُعد تغيرات المناخ، وارتفاع درجات الحرارة تحديًا بيئيًا كبيرًا، يواجه النحل في اليمن، بحسب مربية النحل أمة اللطيف، التي تؤكد بأن تقلبات المناخ هي من أبرز المشكلات التي تعاني منها، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، التي أدت إلى انخفاض مستوى تربية النحل، ناهيك عن العواصف الغبارية التي تؤدي إلى تشتيت النحل، وشح المياه وقلة مصادر الرحيق التي تؤثر على إنتاج العسل.

وتحاول هذه الشابة التقليل من مخاطر الظروف، ومواجهة تقلبات درجة الحرارة، وذلك نزولًا عند حلول مؤقتة تتمثل بوضع عازل على صناديق النحل، إضافة إلى البحث عن نبتة “خبز النحل”، وهي نبتة شتوية غنية بحبوب اللقاح، لكنها ليست متوفرة في اليمن، لذا تسعى للحصول عليها كشتلات بهدف زراعتها في أماكن ملائمة.. “صحيح بأن نموئي بطيء، لكنه ناجح، وحاليًا أعمل من أجل افتتاح مشروعي، الذي يتطلب توفير مكان مناسب، وعمال، وكثير من الاحتياجات الخاصة بتربية النحل، وإنتاج العسل”.

يوم بعد يوم، تتجاوز أمة اللطيف العديد من الصعوبات، وتتغلب على كثير من التحديات المجتمعية، والتغيرات المناخية، وتسعى جاهدة لتنمية مشروع، تطمح أن يصيح مستقبلًا محمية خاصة بالنحل كي تضمن عملية التكاثر، بعيدًا عن التدخلات البشرية، أو الرش العشوائي للمبيدات، التي تعد من أكثر المشكلات التي تواجه النحالين في اليمن.

اقرأ أيضاً