التغيرات المناخية جراد تأكل المحاصيل الزراعية في اليمن

هبة التبعي

الأمطار الغزيرة في هذا العام أتلفت المحاصيل الزراعية؛ ما خفض محصولي السنوي الى 40%، في حين كان محصول الأعوام السابقة  يقارب 80%“، يحكي لنا محمد تاج الدين.

 

ويفسر محمد ذلك وهو مزارع في محافظة إب وسط اليمن، بأن الأمطار هذا العام  كانت غزيرة جدًا؛ مما أتلف البذور تحت التربة فتأخرت نموها، والبذور التي استطاعت النمو ووصلت إلى مرحلة النضج أفسدها غزارة الأمطار.

 

ويرى أن امكانياتهم المحدودة لم تسمح لهم باستخدام وسائل تقي محاصيلهم من الطقس المتقلب مثل المحميات الزراعية أو المبيدات لمكافحة الآفات والأمراض الزراعية.

 

تاج الدين واحد من مئات المزارعين اليمنيين ممن تأثرت سُبل عيشهم؛ بسبب الجفاف الشديد والفيضانات المدمرة والنزاع الطاحن، و تقلبات الطقس ما جعل من الصعب عليهم تغطية نفقات معيشتهم.
” استمرار هذا الطقس وهذه التغييرات المناخية بدون أي حلول  يهدد نسبة المحاصيل وتنوعها بشكل مخيف” يؤكد مزارع إب.
تطرف المناخ
يُشكل تغير المناخ تهديدًا إضافيًا على البلدان الفقيرة عامة، والتي تعد أصلًا من بين أكثر بلدان العالم جفافًا وندرة في المياه. وتعاني قطاعات الزراعة بشكل خاص من تأثيرات ذلك التغير، بما فيها تغير أنماط هطول الأمطار، والجفاف، وارتفاع مستويات سطح البحر، وتغير الحدود الجغرافية للآفات والأمراض.

 

وتشير تقديرات التي نشرت في تقرير مؤسسة “كارنيغي” للسلام إلى أن اليمنيين العاملين في القطاع الزراعي يشكلون الشريحة الأكبر من القوى العاملة في البلاد، حيث يعتمد 73.5% من السكان بشكل مباشر أو غير مباشر على الدخل من الأنشطة الزراعية المتعلقة بالتجارة والتصنيع، كما تساهم الزراعة أيضًا بحوالي 80% من الدخل القومي لليمن وتوفر فرص عمل لحوالي 54% من القوى العاملة في جميع أنحاء البلاد.

 

حسب اللجنة الدولية للصيب الأحمر الدولي، ثلاثة من كل أربعة في اليمن يعتمدون على الزراعة والثروة الحيوانية من أجل بقائهم على قيد الحياة، تدفع أزمة المناخ المجتمعات التي تعاني بالفعل من قرابة ثماني سنوات من النزاع إلى نقطة الانهيار.

 

“ستؤدي التغيرات المناخية إلى ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، وستأثر  سلبًا على الزراعة وعلى الاقتصاد الوطني”. دراسة بحثية

سيناريو التغير

 

 “تغير المناخ يعني تغير العوامل المناخية مثل درجات الحرارة والرطوبة الجوية، وهذه التغيرات تؤثر على حركة الرياح وتشكل السحب وسيرها، مما يؤثر على توقيت وكمية الأمطار، كل ذلك بالإضافة إلى تأثير دوران الشمس والبحر على الأرض يؤدي إلى تغيرات في التربة والنباتات والحيوانات والبشر”، كما ذكر محمد الشرعبي.

 

يوضح الشرعبي وهو الاستشاري في التنمية المستدامة في مجلس خبراء التنمية في تعز، أن التغيرات المناخية تتسبب في زيادة الصحاري وتحرك الرمال والكثبان الرملية الكبيرة، وتنخفض مخزون المياه الجوفية، وتنحسر الشلالات وتحدث السيول والعواصف البحرية والرملية، وتتلاشى الحيوانات البرية والزواحف والعديد من أنواع النباتات، وتتواجد الأمطار الحمضية وتلوث الماء والتربة والهواء وينخفض المحصول الزراعي عام بعد عام.

 

” كل ذلك كان نتيجةً للاستخدام الواسع للنفط ومشتقاته والتوسع العمراني واستهلاك المياه من قِبَل الصناعة الإسمنتية، بالإضافة إلى السموم والمبيدات والأسمدة الكيميائية وانبعاثات مولدات الكهرباء والمصانع والسيارات” يستطرد.

 

وفقًا للاستشاري، انخفضت القدرة الإنتاجية للهكتار الواحد فيما يتعلق بالوزن الدولي لمختلف المحاصيل الزراعية، وتغيرت شكلها وحجمها، بالإضافة إلى تغير لونها وطعمها وملمسها. وبناءً على ذلك، فإنها تعتبر تالفة وتفسد بسرعة.

 

” زرعتُ العام السابق محصول طماطم وقد أتلف المحصول كله؛ بسبب شحة المياه الناتجة عن قلة الأمطار العام الأول، وكذا تقلب أحوال الطقس الغريب بالإضافة إلى رداءة البذور”. مزارع يمني

مخاوف وتحديات

 

 تأخر الأمطار في الموسم الصيفي سيقود إلى تأخر الزراعة؛ وبتالي فإن انخفاض درجة الحرارة في الخريف في نهاية موسم النمو؛ سيؤدي إلى عدم اكتمال الحبوب ويترتب على هذا انخفاض الإنتاجية. وفق دراسة أجرها المدير العام للاتحاد التعاوني الزراعي محمد عُمير.

 

تشير الدراسة، إلى أن التغييرات المناخية تؤدي إلى زيادة تفاوت معدلات سقوط الأمطار وغزارتها؛ مما يسفر بدوره عن زيادة مخاطر السيول والجدب.

 

 في تصريح خاص لمنصة ” أصوات خضراء ” قال الباحث عمير: “ستؤدي التغييرات المناخية إلى ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، وستأثر  سلبًا على الزراعة وعلى الاقتصاد الوطني”.

 

من المتوقع أن تنخفض إنتاجية المحاصيل الزراعية في المناطق المطرية في الوطن العربي بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2050

 

المزارعون الضحية

 

بدأ رشيد السيفاني العمل في الزراعة منذُ ثلاثة أعوام في قريته عزلة “الحقل” في جبل حبشي محافظة تعز، وقد أتلف محصوله الزراعي العام الماضي

 

قال لمنصة “أصوات خضراء”:” زرعتُ العام السابق محصول طماطم وقد أتلف المحصول كله؛ بسبب شحة المياه الناتجة عن قلة الأمطار العام الأول، وكذاك تقلب أحوال الطقس الغريب بالإضافة إلى رداءة البذور”.

 

” قلة الوعي بكيفية الزراعة السليمة وانعدام الخبرة الكافية للتعامل مع المحصول الزراعي مع تقلب أحوال الطقس وبالظروف المناخية كهذه، كان له دور في إتلاف محصوله الزراعي ومحصول العديد من أفراد القرية والمزارعين في مناطق مختلفة من المحافظة”.أضاف.

 

امتنع السيفاني عن الزراعة هذا العام لذات السبب وهو ندرة الأمطار هذا العام وشحة المياه بشكل كبير والتخوف من التغييرات المناخية والطقس المتقلب بشكل مثير للتساؤل والعجب.

 

ويرى أن مستقبل الزراعة التي يعتمدون عليها بشكل كبير بالدخل المعيشي وكمصدر لغذائهم مجهول ومخوف، خصوصًا إذا استمرت الأحوال المناخية بهذا الشكل الارتجالي.

 

وفي هذا الصدد، يقول الشرعبي:” إذا كانت الوديان الزراعية والمزارع ممتلئة بالأكياس البلاستيكية والمخلفات ومحاطة بالمباني السكنية تحتها خزانات أرضية للمخلفات الصلبة، ما لذي تتوقعه أن تنتج تلك القيعان الزراعية؟!”.

 

وفقًا للشرعبي، عندما يقوم المزارع بمحاولة إنقاذ محاصيله من الجفاف عن طريق الري السريع، فإن تلك المحاصيل تتعرض للإجهاد المائي، مما يؤدي إلى سقوط الأزهار وتقلص الثمار. وقد يتعرض المحصول للحروق والندوب في فصل الشتاء، مما يتسبب في تأخر نضج الثمار وتأجيل موسم الحصاد. بالإضافة إلى ذلك، قد تتعرض الوديان والأراضي الزراعية للجرف بواسطة السيول.
المناخ والنزاع
تجتمع أزمة المناخ والنزاع المزيد لتجبر العديد من العائلات على ترك منازلهم والنزوح، إذ تشير التقديرات في منظمة اليونسيف إلى أن أكثر من 3.3 ملايين شخص في اليمن نزحوا من منازلهم إلى اليوم منذُ 2015.

 

في بلد تعاني من صراعات وحروب مستمرة، يصبح من الطبيعي أن يضطر الناس إلى مغادرة منازلهم بحثًا عن الأمان من النزاعات. ومع ذلك، تزداد معاناة هؤلاء الأشخاص عندما يكتشفوا أن الأرض غير صالحة للزراعة والعيش، وبالتالي يضطرون للمغادرة مرة أخرى.

 

وما يجعل الأمر أسوأ هو أن بعض المناطق تحتوي على ذخائر غير منفجرة تم تركها من قِبل الأطراف المتصارعة في اليمن، وتكون هذه الذخائر مخفية في الأراضي التي قد تبدو صالحة للزراعة. وهذا يجعل العمل في هذه الأراضي محفوفًا بالمخاطر الجسيمة.

 

واجهت اليمن نقصًا حادًا في إمدادات المياه في جميع أنحاء البلاد، وتفاقمت هذه المشكلة بسبب النزاع المستمر والجفاف المستمر على مدى عدة سنوات. ونتيجة لذلك، يواجه حوالي 18 مليون شخص في اليمن صعوبة في الحصول على مياه الشرب النقية والصالحة للشرب، وفق تقرير صادر عن البنك الدولي.

 

وبسبب هذا الوضع، يتعين على المزيد من المزارعين في اليمن ترك أعمالهم في الزراعة وتوقفها، مما يؤثر سلبًا على مستوى الأمن الغذائي في البلاد ويزيد من خطر وقوع مجاعة أكبر.

 

توقعات مخيفة

 

توصل الباحث عمير في دراسته، إلى أنه من المتوقع أن تنخفض إنتاجية المحاصيل الزراعية في المناطق المطرية في الوطن العربي بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2050، مما يهدد تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع).

 

 يعكس هذا التراجع تأثيرًا سلبيًا على الموارد المائية المحدودة ويشكل تهديدًا للأمن المائي والغذائي في المنطقة العربية.

 

كما تشير الدراسة أن بحول 2100 سترتفع درجة الحرارة بنسبة 6,1درجة مئوية، وستنخفض معدل سقوط الأمطار بواقع 24% حيث ستتفاوت نمط الهطول المطري بحسب المكان والزمان؛ حيث سترتفع في مناطق وشهور معينة وتنخفض في أماكن وشهور معينة.

 

ضرورة التصدي

 

ويرى محمد بن شيخان وهو مدير إدارة التسويق والاستثمار مكتب وزارة الزراعة والري بالوادي والصحراء، أن التغييرات المناخية بدأت تشكل خطرًا ملحوظًا على المنطقة العربية وخصوصًا اليمن، مستشهدًا بذلك سلسة الأعاصير المدمرة التي جرفت الأراضي الزراعية وأشجار النخيل وأثرت على التنوع البيولوجي في مناطق الساحل الشرقي في اليمن.

 

“تتطلب التغيرات المناخية تدخلات عاجلة وواسعة النطاق، ويجب تطوير استراتيجيات حاسمة للتكيف مع هذه التحولات ومواجهتها. إذا لم يتم التصدي لهذه المشكلة بشكل فعال، فإنها ستؤدي إلى آثار سلبية متزايدة على مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع الزراعي”، يفيد شيخان.

 

وبهذا يتضح أن التغير المناخي يشكل تهديدًا حقيقيًا على المنطقة العربية وخاصة اليمن، وبخاصة فيما يتعلق بالقطاع الزراعي. من أعاصير مدمرة إلى ندرة المياه وتأثيراتها السلبية على المحاصيل، فإن التحولات المناخية تهدد تأمين الغذاء والأمن المائي في البلاد.

 

إن الاستجابة العاجلة والفعالة لهذه التحديات تتطلب تنسيقًا وتعاونًا دوليًا لتطوير استراتيجيات تكيف مستدامة، وتعزيز التعاون الدولي، تبني ممارسات زراعية استدامة، تطوير تقنيات زراعية مبتكرة، وتعزيز البحث العلمي هذه الجهود المشتركة ستساعد في تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة البيئية في اليمن والمنطقة العربية.
اقرأ أيضاً