الرواشن التهامية.. أصالة وتكيف ذكي مع المناخ!

غدير طيرة

بين أصالة الماضي وواقع الحاضر، تبرز “الرواشن” كعنصر معماري تقليدي في تهامة اليمن، حاملةً عبق التاريخ وجماليات الفن المعماري، وقدمت حلولًا ذكية للتكيف مع تغيرات المناخ.

يُعدّ الفن المعماري في اليمن من أشكال المعمار المتميزة والفريدة في العالم القديم، ويتجلى هذا الفن في مدن مثل صنعاء القديمة، شبام، ثلا، زيد قبلة العلم والعلماء، وغيرها من المدن التي تحتضن الحضارة.

يتجلى هذا الفن في مدن مثل صنعاء القديمة، شبام، ثلا، زيد قبلة العلم والعلماء، وغيرها من المدن التي تحتضن الحضارة. وتشتهر العمارة التقليدية في اليمن ببعض المفردات المهمة مثل الأحجار، والآجر أو الياجور، والمشربيات، والقمرية، والشاقوص، والكَنَّة (كاسِراتُ الشمس).

سنتطرق في هذا المقال، إلى المشربيات بشكل خاص حيث تظل تجسد أصالة الماضي وروح المكان في التصاميم المعمارية التقليدية في تهامة التي مرت عليها العديد من الثقافات العربية والعثمانية.

تُعَدُّ هذه المشربيات سمة بارزة في بناء البيوت التقليدية في تهامة حيث اختلطت على مر الزمان ثقافات عربية وعثمانية.

 

حل ذكي للتكيف مع المناخ 

 

تُصنع المشربيات عادةً من الخشب أو الياجور أو الحجر، وتأتي بأشكال زخرفية جميلة ومتعددة الألوان. تُثبَّت على النوافذ الخارجية للمبنى لإضفاء لمسة جمالية مميزة كما انها تحجب الرؤية عن المارة في الخارج وتسهلها للأشخاص في داخل المنزل.

تستخدم المشربيات في إضاءة الغرف وتهويتها، كما يُستخدم مكانًا لوضع المَدَلِ (القُلَلِ) لتبريد الماء وحفظ المأكولات. يُفضَّل وضع المَدَلِ المصنوع من الفخار في اتجاه شمالي (قِـبْلِيّ بالنسبة لليمن) لغرض تهوية المنزل. تصمَّم المشربيات بوجود فتحات بنوافذ كبيرة مغطاة بالمشربيات على الواجهات، أو بنوافذ في الجدران “الطيقان”. يُستخدَم المشربيات بشكل شائع في موانئ البحر الأحمر، وتتنوع الشبابيك الخشبية المخرمة والمنحوتة عند التركيب، وتُزَيَّن في بعض الأحيان بقطع زجاجية ملونة. يُعرض كتابان بالصور حول زَبِيْد الأول بعنوان “زَبِيْد اليمن” والثاني “منازل زَبِيْد”، يسلطان الضوء على زخارف المدينة المتنوعة. في الماضي، كانت زَبِيْد مركزًا هامًا دينيًا وثقافيًا وتجاريًا وسياسيًا على السهل الساحلي، حيث كانت تجتمع فيه مركزان اقتصاديان وثقافيان مهمان. أما كلمة “رواشن” أو “روشني” فهما تعود أصلاً من اللغة الفارسية، وهما تعرب للكلمة الفارسية “روزن” التي تعني “الكوة” أو “النافذة” أو “الشرفة”. وتعني في اللغة الهندية والاردية ايضا وتعني ( الضوء او الانارة ).

 

ما هي الفوائد والحلول التي تقدمها المشربيات في المنازل؟

 

هل تتعلق بالشكل الهندسي المرتبط بالعمارة، أم أن هناك فوائد أخرى أكثر أهمية؟ يجيبنا الفنان والباحث في التراث الشعبي اليمني، الأستاذ محمد سبأ.

كانت المشربيات، أو ما يُعرف بالرواشين لدى سكان مدينة الحديدة القديمة، عنصرًا هامًا في التصميم التقليدي للعمارة في اليمن. وتتميز مدن تهامة بأنواع خاصة من المشربيات المصمَّمة خصيصًا للأجواء الحارة. وقد اشتُهِرَتْ مدينة جدة في المملكة العربية السعودية منذ زمن بعيد بأجود المشربيات والرواشِّن الخشبية المزخرفة بأجود التفاصيل والزخارف، التي تُظهِر فنًّا وتراثًا عريقًا.

ذكر العديد من الرحالة الأجانب والعرب في وصفهم لمدينة الحديدة ومدنها القديمة جمال الزخارف الخشبية على نوافذ المنازل والأبواب والمشربيات والمنابر.

إن هذه التفاصيل المعقدة تُعَكِّسُ ذوقًا رفيعًا وتاريخًا ثقافيًّا غنيًّا، إلى جانب الجمالية، توفر المشربيات فوائد عديدة في المنزل. فهي تساعد في تهوية المسكن وتدخل كمية كافية من الضوء الطبيعي، مما يسهم في خلق بيئة مشرقة وصحية. كما أنها تسهل دوران الهواء داخل المنزل، مما يؤدي إلى تبريد أكثر فعالية خلال فصول الصيف.

بالإضافة إلى ذلك، تُستَخْدَمُ المشربيات لتأطير المشاهد من داخل المنزل، حيث يمكن للسكان الاستمتاع بالمناظر الخارجية لكون الرواشن تعتبر من العناصر الجمالية التي تضفي طابعًا فريدًا على المنازل، ولكن بالإضافة إلى جمالها، فإنها توفر فائدة عملية من خلال تبريد الهواء المار بها. فهي تعمل كتكييف طبيعي للمنزل عبر الفتحات الموجودة فيها. وقد أدى دخول الكهرباء والمكيفات الحديثة إلى التخلص من هذه الرواشن ذات التصميم القديم، وتم استبدالها بتصاميم حديثة لا تقدم قيمة جمالية أو نفعية.

وقد أحدث هذا التخلص من الرواشن مشكلة بيئية في كثير من المناطق، خاصة في تهامة، حيث ارتفعت درجات الحرارة بسبب انقطاع الكهرباء المستمر في المدينة نتيجة لظروف الحرب. لو أبقى سكان هذه المناطق على الرواشن والنوافذ التقليدية التي تعمل على تبريد المنزل، لكانت الأوضاع أفضل.

ويعتقد “سبأ” أنه يجب على الشباب المساهمة في توعية الأجيال القادمة بأهمية الحفاظ على الرواشن والعمارة التقليدية، نظرًا للفوائد التي تقدمها في حياتنا اليومية. فإلى جانب قيمتها الجمالية، فإن صانعي الرواشن يحافظون على قيم جمالية ويستخدمون مهارات هندسية و فنية وزخرفية في صنعها.

ولا يزال من المشربيات التقليدية في مصر مثالًا رائعًا على ذلك، حيث تزخر بالزخارف النباتية والهندسية، وتحتوي على رسومات للطيور وكتابات دينية. وتلك عليها بعض الكتابات مثل (الله، بسم الله الرحمن الرحيم)، وبعض المشربيات ظهرت فيها مهارة الخرط الدقيقة على هيئة مكعبات أو كرات أو مستطيلات أو مربعات دقيقة الصنع تتخللها أخشاب على هيئة أعواد إما أفقية أو رأسية أو مائلة.

كما تظهر بعض المشربيات مهارة خرط دقيقة في صنع أشكال هندسية مثل المكعبات والكرات والأعواد.

و للرواشن ظهور في مناطق أخرى بالإضافة إلى اليمن، مثل العمارة الحجازية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة وينبع ، وظهرت في فلسطين خاصة القدس وفي بعض دول الخليج مثل البحرين ، وظهرت بشكل أقل إتقانا وبساطة في المغرب ولبنان والسودان، الرواشن ليست مجرد عنصر معماري جميل، بل هي حل ذكي للتكيف مع تغيرات المناخ .

اقرأ أيضاً