لا يقتصر تجميد المساعدات الأميركية على مشاريع التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية في مجالات الغذاء والصحّة والتعليم في العالم، بل يمتدّ إلى تجفيف التمويل المناخي، الذي رصدته إدارة بايدن السابقة بين الأعوام 2021 و2024. تشير التقديرات الأولية الى أن الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وإيقاف المساعدات الخارجية سيؤدّي إلى شطب تعهّدات مناخية بقيمة 11 مليار دولار للدول النامية، منها نحو نصف مليار دولار من الهبات كانت ستقدّمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لبرامج مكافحة التغيّر المناخي.
حجم المساعدات الأميركيّة في مجال المناخ
في العام 2024، ساهمت الولايات المتحدة الأميركية بحوالي 11 مليار دولار إلى بلدان نامية في برامج تتعلّق بخفض الانبعاثات الكربونية والتكيّف مع التغيّرات المناخية. وارتفعت هذه الالتزامات في خلال عهد جو بايدن من 1.5 مليار دولار في العام 2021 الى 9.5 مليار في العام 2023، منها حوالي 3.1 مليار دولار للتكيّف (ويُقدّر رصد المبلغ نفسه في خلال العام 2024 أيضاً)، يضاف إلى ذلك 4.5 مليار دولار لمشاريع الطاقة النظيفة و1.8 مليار دولار للاستدامة الطبيعية في العام 2023.
ومن ضمن الالتزامات الأميركية أيضاً تعهّد بحوالي 6 مليارات دولار للصندوق الأخضر للمناخ (Green Climate Fund)، وهو صندوق تأسّس في العام 2010 بهدف توجيه التمويل إلى برامج الطاقة النظيفة والتكيّف المناخي في مختلف أنحاء العالم، وموّل منذ ذلك الحين مشاريع بقيمة 16 مليار دولار في 133 دولة. تعتبر الولايات المتحّدة من أكبر المموّلين حتى العام 2023، إلا أن قرارات ترامب الأخيرة ستؤدي إلى إلغاء نحو 4 مليارات دولار لم تدفع بعد للصندوق.
تطوّر الإنفاق الأميركي الخارجي على المناخ
من جهتها، ساهمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) على مرّ السنوات في الكثير من المشاريع المناخيّة في دول الجنوب، لا بل تُعدّ أحد أبرز المانحين على هذا الصعيد، إن من حيث مكافحة التغيّر المناخي أو التكيّف مع آثاره، حتى لو لم تكن المشاريع الأصلية مُصنّفة كذلك صراحة. وقد قُدّرت الكلفة المباشرة للمشاريع الملغاة نتيجة القرارات الأخيرة بحوالي 500 مليون دولار أميركي، بحسب إحصاء أجراه موقع Climate Home News بناءً على التقرير المالي السنوي ل USAID عن العام 2024.
في العام الماضي، تعهّدت الوكالة بتقديم 22 مليون دولار لتعزيز قدرات المجتمعات الزراعية في العراق للتعامل مع الجفاف المطرد، و18.5 مليون دولار للمساعدة على تبنّي تدابير التكيّف مع المناخ في فلسطين. وفي أجندة الوكالة مشاريع في جنوبي أفريقيا للاستثمار في نشر مصادر الطاقة النظيفة بتمويلٍ إجمالي يقارب 84.5 مليون دولار حتى العام 2028 من خلال 3 ملايين وصلة كهربائية وتخفيض الانبعاثات نحو 14 مليون طن. وهناك مشاريع مماثلة في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية والإكوادور وكولومبيا وبنغلاديش تنفّذها شركات أميركية ستتضرّر مالياً في جرّاء خفض التمويل. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشاريع الحفاظ على النظم البيئية في هندوراس ومالاوي حيث أُبلغت الفرق المموّلة من USAID بالبقاء في المنازل.
الإنفاق الأميركي الخارجي على المناخ من حيث نوع التمويل
قرار شطب التعهّدات المناخية
في اليوم الأول بعد تنصيبه، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلسلة قرارات تنفيذية قضت بتجميد جميع المساعدات الحكومية الخارجية لمدة 90 يوماً في انتظار مراجعة أهداف البرامج والمشاريع ومطابقتها للسياسات الخارجية، وتمّ إقفال مركز الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وصرف موظّفيها وحجب موقعها. ومن ضمن هذه القرارات أيضاً، الانسحاب من اتفاقية باريس المناخ المقرّة في العام 2015، مكرّراً خطوة العام 2017، ليبدأ بذلك مسار الانسحاب ومدّته عام كامل، وبالتالي مسار شطب وتجفيف التعهّدات المناخية السابقة.
وعلى الرغم من حاجة هذه القرارات إلى موافقة الكونغرس، تدعم الغالبية الجمهورية هذا الاتجاه. إذ طُلب من رؤساء الإدارات الحكومية والوكالات الفيدرالية، المكلفة بصرف التمويل المرتبط بالمناخ في الخارج، تقديم تقرير في غضون 30 يوماً يفصّل إجراءاتهم «لإلغاء أو إبطال» سياسات الرئيس السابق جو بايدن المناخية. كما أمرت بالتوقف فوراً أو إلغاء أي التزام مالي تعهّدت به الولايات المتحدة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ.
شطب المساهمات دفع رئيسة الصندوق الأخضر للمناخ مافالدا دوارتي إلى حثّ زعماء العالم على عدم التراجع عن توجيه التمويل الحاسم للمناخ إلى الدول النامية، مشدّدة على دوره الاستراتيجي والاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، عبّر رئيس معهد الموارد العالمية أني داسكوتا عن قلقه الشديد تجاه القرارات الأميركية التي ستفاقم التحديات اليومية التي يواجهها الأميركيون، وأضاف أنه «لا يزال من المبكر معرفة ما قد تعنيه التخفيضات الأميركية لهدف تمويل المناخ الجديد البالغ 300 مليار دولار سنويّاً و1.3 تريليون دولار بحلول العام 2035، ولكن سيكون من الصعب ملء الفجوة».
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو – الذي أصبح وكيلاً على USAID – قد صرّح أن المشاريع التي تجعل أميركا «أكثر أماناً وقوة وازدهاراً» هي وحدها التي ستستمرّ، من دون توضيح المعايير التي سيتم استخدامها في هذا التقييم.
مع الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، انضمّت الولايات المتّحدة إلى كل من إيران وليبيا واليمن غير المنضوين أيضاً في الاتفاقية، إلا أن ذلك يبقي عضويّتها ضمن إطار اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ ويسمح لها بحضور قمّة المناخ المقبلة (COP30) المزمع عقدها في البرازيل أواخر هذا العام مع كامل صلاحيات التصويت وليس كمجرد دولة مراقبة.
تجدر الاشارة أيضاً الى أنّ قرار الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ أقرّ بالإجماع منذ العام 1992 في مجلس الشيوخ الأميركي، ما يحتّم وجود أكثريّة الثلثين في هذا الأخير من أجل العودة عنه.
حصة الولايات المتحدة من التمويل المناخي العالمي
ما قبل قمّة المناخ الأخيرة التي عُقدت في أذربيجان (COP29)، كان الاتفاق في العام 2009 على تحديد هدف توفير التمويل بقيمة 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية بحلول العام 2020، وهو رقم لم يتمّ الوصول إليه إلا في العام 2022. في الواقع، ولم تتجاوز المساهمات الأميركية 5.8 مليار دولار، وفقاً لتحليل أجراه مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهو مركز أبحاث مقرّه الولايات المتحدة. في حين أنها تحتلّ المركز الثاني من حيث أكبر الملوّثين العالميين، وتشكّل، مع الصين والهند، حوالي 42% من مجمل الانبعاثات المسببة للتغيّر المناخي.
بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ الولايات المتحدة المساهم الأكبر في بعض بنوك التمويل العالمية، وتصل حصصها إلى 30% في البعض منها، ما يشكّل مصدر قلقٍ أكبر بشأن مصير تمويل المناخ المستقبلي. وتجدر الإشارة هنا أن ترامب ساهم في تعيين دايفيد مالاباس كرئيس لمجموعة البنك الدولي في ولايته الأولى (2019-2023)، والذي عُرف أنه «ناكر التغيّر المناخي» قبل أن يستقبل في العام 2023 بسبب عدم قبوله بالاعتراف بآثار التغيّر المناخي.
مصدر المقال هنا